إستقلالية القضاء و رهانات الديمقراطية والتنمية

إستقلالية القضاء و رهانات الديمقراطية والتنمية 



تظل التدابير التي تتخذها الدول علي طريق الانتقال نحو الديمقراطية أو تحقيق التنمية غير ناجعة وغير متينة، ما لم تستحضر ضمن مقوماتها إصلاح القضاء وتعزيز استقلاليته، علي اعتبار أنه يشكل الدعامة الأساسية التي يفترض ان تحمي الديمقراطية و تقويها و توفر فضاء أمنا ومستقرا مناسبا لقيام تنمية محورها الإنسان باعتباره وسيلة وهدفا، وذلك من خلال فرض سيادة القانون وإعطاء القوة والفعالية للمؤسسات.فإذا كان العدل يشكل مدخلا حقيقيا لتحقيق استقرار المجتمع وحماية الأفراد فهو بلا شك وسيلة حيوية لدعم التنمية بكل أشكالها ومظاهرها.

فهذه الأخيرة تظل بحاجة إلي فضاء مجتمعي يحفز علي الإبداع والاجتهاد في مختلف المجالات، ولذلك سارت مختلف الشرائع السماوية والثورات الإنسانية منذ فجر التاريخ وحتي يومنا إلي إقامة موازين العدل بين أوساط الأمة واستئصال دابر الظلم والفساد  وذلك بالنظر إلي خطورة الفساد بمختلف تجلياته ومظاهره علي الدولة والمجتمع وتكلفته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .الكبري وانعكاساته السيئة علي مسار الديمقراطية والتنمية.
أولا-في مفهوم استقلالية القضاء:
 يقصد باستقلالية القضاء، عدم وجود أي تأثير مادي أو معنوي أو تدخل مباشر أو غير مباشر وبأية وسيلة في عمل السلطة القضائية، بالشكل الذي يمكن أن يؤثر في عملها المرتبط بتحقيق العدالة، كما يعني أيضا رفض القضاة أنفسهم لهذه التأثيرات والحرص علي استقلاليتهم ونزاهتهم ويفترض أن يقوم مبدأ الاستقلالية علي مجموعة من المرتكزات التي تعززه، من قبيل اختيار قضاة من ذوي الكفاءات والقدرات التعليمية والتدريبية المناسبة، ومنحهم سلطة حقيقية تتجاوز الصلاحيات الشكلية، وتسمح للقضاء بأن يحظي بنفس القوة المتاحة للسلطتين التشريعية والتنفيذية،
تجعله مختصا علي مستوي طبيعة الهيئة القضائية والصلاحيات المخولة، مع توفير الشروط اللازمة لممارستها في جو من الحياد والمسؤولية، بالإضافة إلي وجود ضمانات خاصة بحماية القضاة من أي تدخل يمكن أن تباشره السلطتين التشريعية والتنفيذية في مواجهة أعمالهم أو ترقيتهم أو عزلهم، وإحداث نظام تأديبي خاص بهم، كما يتطلب وجود هيئة مستقلة تسهر علي اختيار القضاة وتعيينهم علي أساس الكفاءة وتأديبهم.

ثانيا-علاقة استقلالية القضاء بالديمقراطية والتنمية
ترتبط الديمقراطية عادة بتداول السلطة بشكل مشروع وسلمي بما يسمح بإشراك المواطنين في تدبير أمورهم والمساهمة في اتخاذ القرارات التي تهمهم، واحترام حقوق الإنسان مع القدرة علي تدبير الاختلاف بشكل بناء .وهي عملية معقدة تحتاج إلي مجموعة من العوامل والشروط الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والقانونية والمؤسساتية.
وإذا كانت الممارسة الديمقراطية تسمح بخلق فضاء مناسب لبناء قضاء قوي، فإن وجود قضاء مستقل يشكل من جانبه دعامة متينة للممارسة الديمقراطية وترسيخ المساواة أمام القانون .فهناك علاقة قوية متبادلة بين إصلاح القضاء والممارسة الديمقراطية، فالديمقراطية تظل بحاجة ماسة إلي قضاء مستقل قادر علي مقاربة مختلف القضايا والملفات بنوع من الجرأة والنزاهة والموضوعية، بعيدا عن أي تدخل قد تباشره السلطات الأخري، مثلما يظل القضاء من جانبه بحاجة إلي شروط موضوعية وبيئة سليمة مبنية علي الممارسة الديمقراطية تعزز من مكانته وتسمح له بتحقيق العدالة المنشودة، بعيدا عن أي استهتار أو انحراف بالقوانين.إن استقلالية القضاء هي تجسيد للعدالة وعنصر محوري وهام ضمن الأسس التي ترتكز إليها دولة القانون، وهي شرط من الشروط الضرورية التي تؤسس لتوازن السلطات، بما يسهم في ضمان الاستقرار داخل المجتمع ويكفل سير المؤسسات بشكل سليم، ويرسخ ثقة المواطنين فيها (المؤسسات )ويحمي الديمقراطية نفسها من كل انحراف أو زيغ، ويدعم احترام حقوق الإنسان من حيث ضمان المحاكمة العادلة التي هي حق من حقوق الإنسان وحماية مختلف الحقوق والحريات. فانتهاكات حقوق الإنسان التي تشهدها الكثير من البلدان العربية، لم تكن لتقع بنفس الشكل والوتيرة والخطورة في وجود قضاء قوي ومستقل.وفي هذا السياق اعتبرت هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب أن ترسيخ استقلالية القضاء يشكل مدخلا ضروريا ضمن مداخل أخري لمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدها المغرب خلال فترات تاريخية سابقة كما أن الانتخابات التي تفرز نخبة يفترض أن تتولي تدبير الشأن العام والوطني والسهر علي قضايا المواطنين الحيوية، تتطلب وجود قضاء فعال ومستقل قادر علي ضمان نزاهتها ومرورها في جو سليم وبناء، من خلال معاقبة المفسدين، وترسيخ تكافؤ الفرص، واحترام إرادة الجماهير.

ياسين
كاتب المقالة
writer and blogger, founder of بحوث قانونية .

جديد قسم : مقالات قانونية

Post a Comment